الذكاء الاصطناعي والمنازل الذكية

 الذكاء الاصطناعي والمنازل الذكية

بقلم: إسماعيل الحوراني، نائب رئيس شركة هايسنس الشرق الأوسط وأفريقيا

أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للبشر، لا سيما داخل منازلهم، حيث تسهم هذه التكنولوجيا المبتكرة في تحسين تجارب الترفيه، وتطوير وظائف الأجهزة المنزلية، مما يسهم في صياغة مستقبل أكثر ذكاءً واتصالاً بالشبكات. ويتوقع أن يشهد سوق الذكاء الاصطناعي نمواً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط، إذ يقدر أن يساهم في دولة الإمارات وحدها بما يصل إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يقارب 367 مليار درهم إماراتي بحلول عام 2030. وفي ظل تبني الحكومات والشركات في المنطقة لهذه التكنولوجيا المبتكرة، تلعب الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية دوراً محورياً في تمكين هذا التحول.

الذكاء الاصطناعي والترفيه المنزلي

يعيد الذكاء الاصطناعي تعريف طريقة تفاعلنا مع تقنيات الترفيه المنزلي، إذ لم تعد هناك حاجة لضبط إعدادات الصورة والصوت يدوياً، بل يمكن للأنظمة المتطورة المدعومة بالذكاء الاصطناعي ضبط وتحسين هذه الإعدادات تلقائياً وفي الوقت الفعلي، حيث يتم تعديل الصور المعروضة من حيث السطوع والتباين والألوان لتتناسب مع نوع المحتوى المرئي والبيئة المحيطة، مما يوفر صوراً فائقة الوضوح لمختلف المشاهد، من الأحداث الرياضية السريعة إلى الأفلام الوثائقية التي تتميز بتفاصيلها الدقيقة. وبالمثل، تعمل تقنيات ضبط الصوت المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تعديل الصوت وفقاً لخصائص الغرفة، مما ينتج عنه تجربة صوت محيطي مثالية بصرف النظر عن البيئة المحيطة.

ويرتقي الذكاء الاصطناعي بتجربة مشاهدة الأحداث الرياضية إلى مستويات جديد تماماً، حيث تسهم المعالجة المتطورة للصورة في جعل كل لقطة في المباراة أكثر سلاسة ووضوحاً، بحيث يمكن مشاهدة أدق تفاصيل الحركات السريعة. كما تسهم التقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في تعزيز وضوح الصورة وتقليل الضبابية، ليتمكن الجمهور من متابعة كل تمريرة أو هدف بجودة عالية. وتسهم التحسينات الصوتية في محاكاة أجواء الاستاد الحقيقية داخل المنزل من خلال توضيح أصوات الجمهور والمعلقين.

ولا يتوقف دور الذكاء الاصطناعي على تعزيز الصوت والصورة فحسب، بل يمتد إلى تسهيل الوصول إلى المحتوى، حيث تجعل واجهات المستخدم المدعومة بخوارزميات التعلم الآلي، عملية البحث عن البرامج والأفلام أكثر سهولة من خلال اقتراح محتوى يتناسب مع ما يفضله كل مستخدم. ومن المتوقع أن يصل عدد مستخدمي أجهزة التلفاز والفيديو في دولة الإمارات إلى 8.6 مليون مستخدم بحلول عام 2029، مما يضمن أن التطورات في مجال الترفيه المدعوم بالذكاء الاصطناعي ستساعد المشاهدين في الوصول إلى محتواهم المفضل بكل سهولة.

تحسين كفاءة وأداء الأجهزة المنزلية

تعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي على تحسين أداء وكفاءة الأجهزة المنزلية. فعلى سبيل المثال، يمكن للثلاجات المزودة بحساسات ذكية، الوصول إلى مستويات مثالية من الحرارة والرطوبة للحفاظ على نضارة الطعام، كما يمكن لمكيفات الهواء المعتمدة على الذكاء الاصطناعي تعلُّم أنماط الاستخدام وتعديل إعدادات التبريد بصورة تلقائية لتحقيق التوازن بين الراحة وتوفير الطاقة. ولا تسهم هذه التقنيات في تسهيل الحياة اليومية فحسب، بل تساعد أيضاً على تعزيز الاستدامة من خلال خفض استهلاك الطاقة.

منظومة متكاملة داخل المنزل

يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في ربط الأجهزة المنزلية وإنشاء منظومة متكاملة داخل المنزل، حيث يمكن للمستخدمين من خلال منصات مركزية، التحكم في أجهزة متعددة عبر تطبيق واحد أو عن طريق الأوامر الصوتية، مما يجعل الحياة أكثر سهولة وبساطة.

ويكمن مستقبل المنازل الذكية في التقنيات التنبؤية، وهي أنظمة تتميز بالقدرة على توقع احتياجات المستخدم استناداً إلى سلوكياته. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يتم تبريد الغرف قبل مواعيد النوم، أو ضبط الإضاءة تلقائياً في أوقات محددة، أو تشغيل الأجهزة بعيداً عن أوقات الذروة في استهلاك الطاقة، أو اقتراح وصفات بناءً على الأطعمة الموجودة داخل الثلاجة، مما ينتج عنه أسلوب حياة أكثر ذكاءً وكفاءة.

تعزيز الاستدامة

تشهد الأجهزة المنزلية وأنظمة الترفيه نقلةً نوعيةً بسبب الابتكارات القائمة على الذكاء الاصطناعي، مما يجعل الاستدامة ميزةً أساسية وليس مجرد فكرة ثانوية. وفي عالم التقنيات الموفرة للطاقة، تعد أجهزة تلفاز الليزر حلاً مبتكراً لخفض استهلاك الطاقة دون المساس بالجودة. فعلى عكس أجهزة تلفاز LED التقليدية، تستهلك أجهزة تلفاز الليزر طاقة أقل بكثير، حتى عند عرض صور فائقة الوضوح على شاشات كبيرة. كما أن اعتمادها على مواد صديقة للبيئة وعمره الافتراضي الطويل يعزز استدامتها، مما يجعل منها خياراً صديقاً للبيئة لعشاق الترفيه المنزلي.

وتعد الثلاجات الذكية مثالاً آخر على كيفية دمج الاستدامة في أسلوب الحياة العصري. فبفضل التقنيات المتطورة وأنظمة التحكم في درجات الحرارة، تحافظ هذه الأجهزة على أداء ثابت في عملية التبريد مع الحد من استهلاك الطاقة. ومن خلال التحكم الدقيق في درجات الحرارة، تحفظ هذه الثلاجات الطعام طازجاً لأطول فترة ممكنة، مما يقلل من الهدر. وبالإضافة إلى ذلك، تتيح التقنيات الذكية إمكانية تعديل استهلاك الكهرباء خلال ساعات الذروة، مما يحسن الأداء ويخفض التكاليف.

وتسلط أجهزة تلفاز الليزر والثلاجات الذكية الضوء على قدرة الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتطورة في تعزيز الاستدامة بطريقة ملموسة، إذ لا يقتصر دور هذه الأجهزة على توفير وظائف متطورة فحسب، بل تشجع أيضاً على الممارسات الصديقة للبيئة من خلال تقديم بيانات فورية حول استهلاك الطاقة، وضمان تعزيز كفاءة التشغيل.

ويساعد دمج هذه الابتكارات في المنازل المستهلكين على تقليل بصمتهم الكربونية، مما يمهد الطريق أمام مستقبل يجمع بين التكنولوجيا المتطورة والاستدامة.

وفي ظل تزايد الطلب على الحلول الموفرة للطاقة في منطقة الشرق الأوسط مدفوعاً بمبادرات وطنية تهدف إلى تعزيز الاستدامة مثل “استراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050″، تقدم الأجهزة وأنظمة الترفيه المدعومة بالذكاء الاصطناعي فوائد ملموسة لكل من المستهلكين والبيئة على حد سواء.

مستقبل أكثر ذكاءً

لا يسهم الذكاء الاصطناعي في إحداث تحول في عالم الإلكترونيات الاستهلاكية فحسب، بل يعيد تعريف مفهوم المنازل بشكل عام، فهو يجعل التكنولوجيا أكثر سهولةً وكفاءةً وترابطاً من أجل بناء مستقبل تكون فيه منازلنا أكثر ذكاءً واستدامة واستجابةً لاحتياجاتنا.

ومع استمرار منطقة الشرق الأوسط في تبني أحدث حلول الذكاء الاصطناعي، تسهم هذه الابتكارات في تحسين جودة الحياة اليومية، وتمهّد الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة، لذا يمكننا القول بأن تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل منازلنا لم يعد مجرد رفاهية، بل أصبح ضرورة يومية للجميع.