انطلاق مؤتمر ” الشرق الأوسط للحديد والصلب 2025 ” من تنظيم ” فاست ماركتس ” في دبي وسط مواجهة عالميّة لتحديات الرسوم والفائض والسباق نحو الإنتاج الأخضر

 انطلاق مؤتمر ” الشرق الأوسط للحديد والصلب 2025 ” من تنظيم ” فاست ماركتس ” في دبي وسط مواجهة عالميّة لتحديات الرسوم والفائض والسباق نحو الإنتاج الأخضر

دبي، ١٧ نوفمبر ٢٠٢٥

انطلقت اليوم في دبي أعمال الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الشرق الأوسط للحديد والصلب ٢٠٢٥ الذي تنظمه شركة “فاست ماركتس”، وسط مشاركة واسعة من كبار التنفيذيين وصنّاع القرار من الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا وأوروبا وآسيا. وشهد اليوم الأول من المؤتمر نقاشات مكثفة حول التحوّلات الكبرى التي تعيد رسم ملامح قطاع الحديد والصلب عالميًا، بما في ذلك تغيّر مسارات التجارة، وتصاعد النزعات الحمائية، وتسارع التوجّه نحو الإنتاج منخفض الكربون.

وتأتي هذه النقاشات في ظل ضغوط غير مسبوقة يشهدها القطاع نتيجة الفائض العالمي في المعروض، وآلية الاتحاد الأوروبي لتعديل الكربون عند الحدود، وتحويل مسارات التصدير نحو أسواق جديدة. ومع امتلاك منطقة الشرق الأوسط لمحفظة مشاريع تتجاوز قيمتها ثلاثة تريليونات دولار أمريكي[1] وتوسع قدراتها الصناعية بوتيرة متسارعة، شدّد المتحدثون على تنامي دور المنطقة في منظومة الإمداد العالمية وتدفقات الاستثمار وتعزيز التنافسية طويلة المدى.

وفي هذ السياق قال المهندس سعيد غمران الرميثي، الرئيس التنفيذي لمجموعة “إمستيل” إن المشهد الجيوسياسي المتغير يفرض اليوم قدرًا أكبر من المرونة والرؤية الاستباقية ونحن في “إمستيل” نعمل على تعزيز سلاسل الإمداد وتسريع مسار خفض الانبعاثات وتوسيع شراكاتها الإقليمية بما يحوّل التحديات الراهنة إلى مساحةٍ للفرص لا إلى عائقٍ أمام تطوّر قطاعنا ومستقبل الصناعة في دولة الإمارات.”

وأجمع المشاركون على أنّ خريطة النفوذ في صناعة الصلب العالمية تشهد تحوّلًا واضحًا، ففي الوقت الذي تصنع فيه التوترات التجارية والرسوم المعاد هيكلتها في الأسواق التقليدية حالة من الضبابية، تتقدّم منطقة الشرق الأوسط لتشغل مساحة أكبر على هذه الخريطة بفضل زخم استثماراتها وميزة الطاقة التنافسية واتساع قاعدتها الصناعية مما يعزّز حضورها في توجيه آليات العرض والتسعير عالميًا.

ومن جانبه قال راجو داسواني، الرئيس التنفيذي لـ”فاست ماركتس” إن تنامي الإجراءات الحمائية أدخل أسواق الصلب في دوامة تقلب غير مسبوقة، موضحًا أنّ مؤشرات الحديد المُدرفل على الساخن في أوروبا والولايات المتحدة شهدت تحركات حادة مع تشديد الرسوم وتحديد الحصص. وأضاف أنّ مضاعفة الولايات المتحدة لرسوم القسم ٢٣٢ ليست سوى مثال واحد على كيف أصبحت الاستراتيجيات الصناعية الوطنية عاملًا مباشرًا في توجيه سلوك الأسعار عالميًا.

وشهدت الجلسات عودة متكررة للحديث عن التنافسية الهيكلية للمنطقة المدعومة بتوافر المواد الخام وثبات الرؤية تجاه مشروعات طويلة الأمد. وأشار رؤساء أكبر شركات الصلب في الشرق الأوسط إلى أنّ الأسواق في آسيا وأوروبا ما تزال تُعاني من تقلبات مستمرة، في حين تستفيد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من قاعدة صناعية آخذة في الاتساع، تُغذيها قطاعات الإنشاءات والخدمات اللوجستية والطاقة والصناعة التحويلية، ما يوفر طلبًا مستقرًا يمكن البناء عليه.

وفي هذا السياق، أكّد هارشا شِتي، الرئيس التنفيذي لـ”جندال للصلب” أنّ ما تتمتع به المنطقة من أمنٍ في الموارد يمنحها أفضلية استراتيجية طويلة المدى، تفتقر إليها العديد من الأسواق المنافسة عالميًا.

وفي سياق متصل، أوضح “شرجيل أزهر”، الرئيس التنفيذي لشركة “اتفاق للصلب”، أن الفائض العالمي الذي يقدَّر بين ٥٠٠ و٦٠٠ مليون طن يعيد صياغة حركة التجارة ويبدّل مستويات تعرض الأسواق بصورة لافتة. وأشار إلى أن الإجراءات الحمائية قد تمنح بعض الاستقرار المؤقت، غير أن تنافسية القطاع على المدى البعيد سترتبط بقدرة الشركات على الابتكار، وتبني التقنيات المتقدمة، والانتقال إلى إنتاج الصلب منخفض الكربون على نطاق صناعي واسع.

وأكّد المتحدثون أنّ تشديد الأنظمة الجمركية في الأسواق التقليدية يدفع بكميات كبيرة من الفائض العالمي نحو وجهات أكثر انفتاحًا وذات طلب متنامٍ، من بينها أسواق في المنطقة. هذا التحوّل أعاد فتح نقاش مهم حول كيفية تحقيق توازن بين انفتاح التجارة واتخاذ إجراءات تصحيحية تحفظ قدرة المنتجين الإقليميين على المنافسة.

ورأى عدد من القيادات أن الإجراءات الدفاعية قد توفر استقرارًا مرحليًا، غير أن النمو المستدام يظل مرهونًا بوجود منافسة عادلة، وتسعير شفاف، وبيئة متوازنة تحمي السوق من الاختلالات الهيكلية. وقال “رفيق ضو”، نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة “السويس للصلب”، إن القطاع “يزدهر حين تكون الحدود مفتوحة” لكنه في الوقت نفسه يحتاج إلى أطر تنظّم السوق وتحول دون أن تؤدي الاختلالات الهيكلية إلى تقويض المنتجين الإقليميين.

وأضاف “ديليب جورج”، الرئيس التنفيذي لمجموعة “فولاذ القابضة”: “أصبحت التعرفة الجمركية مصدر قلق حقيقي ومن الصعب على المنتجين الاستثمار بثقة أو ضمان العائد المطلوب دون وجود تدابير تجارية رادعة.”

واختُتمت أعمال اليوم الأول بالتأكيد على تسارع الحاجة العالمية للإنتاج منخفض الكربون. وأشار التنفيذيون إلى تقنيات الاختزال المباشر بالهيدروجين، والصهر المدعوم بالطاقة المتجددة، والتصنيع الدائري، وتقنيات التقاط الكربون، باعتبارها المسارات الأساسية التي ستحدد القدرة التنافسية خلال العقد المقبل. ومع وفرة الموارد، والمناطق الصناعية الكبرى، والدعم الحكومي، باتت المنطقة تُعدّ أحد أهم المواقع القادرة على توسيع هذه التقنيات بالسرعة المطلوبة لتلبية الطلب العالمي.

أجمعت المناقشات على أنّ الجغرافيا السياسية وفائض المعروض ومتطلبات إزالة الكربون تشكّل العوامل الأكثر تأثيرًا في قرارات الاستثمار وفي تحديد مراكز النمو المقبلة. وبفضل محفظة مشاريعها الضخمة وقدراتها الصناعية المتنامية، تواصل منطقة الشرق الأوسط ترسيخ مكانتها كمحور مؤثر في رسم مستقبل صناعة الحديد والصلب عالميًا.

شهد المؤتمر هذا العام مشاركة أكثر من ١٤٠٠ مشارك من ٥٥ دولة، في أكبر حضور منذ انطلاقه قبل ٢٨ عامًا، ما يؤكد مكانته كأهم منصة تجمع صنّاع السياسات والمنتجين والمستثمرين وقادة التكنولوجيا تحت سقف واحد لصياغة شراكات جديدة وتوجيه مستقبل صناعة الصلب العالمية.


[1] بيانات مشروعات “ميد” لعام ٢٠٢٥